رحلة سفر عبر الحياة
جميعنا الآن نتأكد من أن الكل حاضر ، الكل جاهز ، الأمتعة كاملة . و ها قد جاءت اللحظة التي سوف استقل فيها تلك السيارة ، إنها لحظة ولادتي .
في بادئ الأمر لم أعتد على مقعدي و لكنني لم ألبث أن تعودت عليه و علمت أنه المكان الذي اختاره الله عز وجل لي لأبدأ به رحلتي و لأبدأ به سفري عبر حياتي .
الآن أرى العالم من نافذة صغيرة أطل من خلالها على الطريق و لكنني تساءلت هل يمكن للآخرين أن يرونني عبر تلك النافذة أيضاً ؟ هل أنا شفافة يستطيع العالم التعرف على شخصيتي و طباعي أم أنا قد وضعت حاجز ( فاميه ) بيني و بين المجتمع ؟ و أدركت أن وحده الذي يقف خارج سيارتي يمكنه أن يدرك ذلك ثم يخبرني فيما بعد .
هذا لا يهم الآن و لا داعي للعجلة ، فلدي الكثير لأتعلمه فالرحلة طويلة و قد تكون قصيرة من يدري ؟ ! ، و لكن المؤكد أنه لا أحد يعلم متى سأصل إلى النهاية .
أثناء رحلتي مررت بزحام خانق ، و لكنه أعطاني الكثير لأتعلمه . تعلمت أنه أثناء الزحام و مع كثرة الذين من حولنا لا نلتفت سوى لأنفسنا فقط . قد لا نلاحظ الآخرين أثناء الزحام و إن لاحظناهم فقد يصعب الاتصال بهم و إن اتصلنا بهم فالوقت قصير بيننا . في الزحام تقف السيارات و لكن عجلة الحياة مستمرة . و لو تمكنا من الاستفادة من الزحام لخرجنا بوقود فائض لتسيير سيارة حياتنا و لتعلمنا منه الكثير . و لكن من منًا لا يختنق في الزحام ؟! .
أمر بعد الزحام فإذا بي في الصحراء . و عندما نظرت إلى تلك الرمال الذهبية التي تتراقص مع حركة الرياح وجدت أنها تشبه أناساً مررت بهم كثيراً . لهم جمال و هيبة لا توصف . و لكنهم لا يجودون بما لديهم إلا إذا توفر لهم العطاء أولاَ ، كالنباتات الصحراوية لا تظهر إلا عند هطول المطر . و لكنهم الأكثر تحملا ً ، الأكثر تعرضاَ للحر و البرد . إنهم الشخصيات الصحراوية أكثر الشخصيات تناقضاً على الإطلاق .
و يعترض طريق الصحراء جبل ضخم ، و لكنني عندما دققت النظر لم يكن سوى أحجار صغيرة تجمعت معاً لتكوّن هذا الصرح الشامخ . هل يوجد مثل هذا الجبل في قلوبنا ؟ هل يمكن أن تتجمع الآهات و الآلام و الأحقاد و الضغائن الصغيرة لتصبح جبل هموم لا ينهدم بسهولة ؟ آثرت ألا يجيب أحد على هذا التساؤل .
و لكنني ابتسمت عندما و جدت شيئاً أكثر رقة ، أكثر بساطة و أكثر تعبيراً . كثبان رملية صغيرة متعرجة ملساء . تلاشت تلك الابتسامة عندما تذكرت أن الرمال التي تكوّن الكثبان الرملية أصغر من الأحجار التي تكوّن الجبال . و بالرغم من سهولة تلاشيها إلا انه لا يمكن التنبؤ بسلامة ما بداخلها ، فقد تختبئ الرمال المتحركة و الحشرات ذوات السموم فيها . و لكنني عاودت الابتسام عندما ابتسمت لي الرياح ، و مرت فوق كثيّب رملي صغير لأرى الرمال تطير هباءاً لا أدري إلى أين . تمنيت لو أن مثل تلك الرياح تمر على قلوبنا جميعاً لتطير معها صغائر الأحزان التي قد تعكر صفو رحلتنا .
خيّم سواد على المكان و نظرت فلم أر شيئاً حتى أدركت أنني داخل نفق محفور ببطن جبل . قد يبدو المكان موحشاً و مظلماَ و لكن عندما تمر داخل نفق جبلي فيالحياة تدرك انك وجدت السبيل لقلب شخصية غامضة . لا تعلم من حفر هذا النفق و لكنه بالتأكيد قد أثّر كثيراَ في تلك الشخصية المصمتة من الخارج ، القوية من الداخل و التي تعبر بك إلى طريق آخر .
خلال رحلتي لاحظت لافتة كتب عليها ( صل على محمد ) نعم عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم إنها لافتة تشبه أناس عندما يشتد بك الأمر و يلُم بك وعثاء السفر عبر حياتك تجدهم يلفتون نظرك إلى أكثر الأمور أهمية و هي ربك و دينك و نبيك . و أدركت أن وحده من يلتفت إلى تلك العلامات يمكنه أن يصل بأمان إلى نهاية الرحلة .
أيضاَ هناك لافتات مرور تنبهك إلى السرعة التي يجب ألا تتجاوزها في طريقك ، و إلى قواعد السلامة لكي تعبر رحلتك بأمان . إنهم أصدقاؤك الحقيقيون الذين يحرصون على راحتك و أمنك و هم دليل لك في سفرك عبر حياتك .
نمر كثيراً باستراحات على جانب طريق الحياة لا أقول تجاوزها جميعها ثم تنهك أثناء رحلتك ، و لا أقول توقف عند كل منها بحيث يصبح سفرك بالنسبة لغيرك من المسافرين مملاً . و لكن أقول لك عزيزي المسافر عبر الحياة توقف فقط عند حاجتك لذلك . فلا ينبغي أن تكون كثير الجديّة أو كثير الهزلية ، و ذلك لكي تستطيع مواصلة رحلتك بسعادة و لكن تذكر أن الاستراحة قد لا تكلفك شيئاً سوى الابتسامة .
قد تجد من يقف أمامك و يقول ( نقطة تفتيش ) لا تنزعج و لا تهلع . إنهم ناس نقابلهم كثيراً يبحثون داخلنا عن نقطة تقربهم منّا أو تبعدهم عنّا ، لكي يستطيعوا تحديد الموقف المأخوذ تجاهنا . و غالباً ما تكون نقطة التفتيش في اللقاء الأول و لكن ما إن يعتاد عليك الشخص حتى يتوقف عن البحث و التفتيش و يدعك تكشف أوراقك أمامه بنفسك ، لتكوّنا صداقة قوية فيما بعد ، أو تؤثرا الابتعاد .
قد نمر بجانب سيارات كثيرة مسرعة بحيث لا نلاحظ شكلها أو نوعها أو عدد المسافرين داخلها و قد نكون نحن المسرعون . و لكن من يهتم بأمر تلك السيارات الأخرى ؟ لكل منّا حياته يعيشها و سيارته يركبها . فلا تنخدع بالمظاهر و لا تغرك الفخامة . فلا أحد يعلم ما بداخل سيارتك إلا أنت و من اخترتهم ليركبوا معك .
( احذر مطب ) كلمة قد تقابلك في طريقك فإن كان مطباً طبيعياً فاعلم أنها عقبات الحياة التي أبى الله عز وجل إلا أن يواجهها كل مسافر ، و إن كان مطباً صناعياً فاعلم انه من صنع أحد لا يمكن الحكم على قصده . و لكن القاسم المشترك هنا هو أنه بالتروي و التأني قد تتجاوز المطبات في طريق حياتك و تكون معبراً لك بإذن الله إلى حال أفضل . أما بالسرعة و التهور فقد ينقلب المطب ليصبح مشكلة بحد ذاتها تنغص عليك طريقك و تكون سبباً في حادث مؤلم .و بالطبع بجانب كل مطب تجد لافتة تحذرك ، صديق يقف بجانبك خلال رحلتك فلا تتردد بالاستماع له .
( سيارة 7 راكب ) أجل إنها أكبر السيارات و لكن من قال ذلك لم يعلم بأن سيارتي كانت أكبر ، فقد اتسعت لناس كثر قابلتهم ، منهم من ألقى التحية وذهب ، و منهم من ركب ونزل ، و منهم من استمر معي في رحلتي حتى و إن كان سبقني إلى نهايتها . أما المقربون منّي فقد كانوا خارج سيارتي طوال الوقت . كانوا لافتات تنير طريقي على الدوام . و ما إن يرحلوا حتى يركبوا داخل سيارتي الواسعة .
فهل عرفتم ما هي سيارتي ؟
أجل سيارتي هي ذكرياتي أسافر بها عبر حياتي ، لا أشاهد مدى فخامتها من الخارج و لكن غيري يشاهدها ، يزينها عملي و يقودها عقلي ، لا أعلم متى ينفذ وقودها و لا أعلم متى تنتهي الرحلة ، و لا أعلم أين سأصل . فقط ما أعلمه أنني سأعاود مشاهدة رحلتي مصوّرة على شريط فيديو يجري أمام عينيّ . جميع الأماكن و المعالم و المواقف و الناس سأراهم مرة أخرى و لن أدرك ذلك حتى أغمض عيني و تقلع بي ( الطائرة ) .
4 قالوا رأيهم:
موضوع جميل .. جدا
بجد موضوع رائع وتشبيهات مظبوطة .. رائع :)
موضوع جميل
فى كام حاجة خلتنى افكر فيها
a great one bgd..waiting more isA
إرسال تعليق
هنا مساحة للتعبير عن رأيك بحرية ..