الجمعة، 31 ديسمبر 2010

إعتراف ( 2 )


" خدعة لم تفلح .. 

يقولون .. أن الحياة لا توجه أقوى ضرباتها إلا إلى أولئك الذين تثق تماما أنهم قادرون على تحملها .. لذا حاولت أن أتظاهر بالضعف , وأقنع نفسي به لعلي أخدعها فتكف عن توجيه ضرباتها القاصمة لي .. لكن هيهات .. يبدو أنها ليست بالسذاجة التي تصورتها ! " *

كلمات في كتاب إلكتروني قامت بتحميله قريبا .. قرأته كله مرة واحدة .. كانت تبحث بين كلماته عن تلك القصة التي تشبه قصتها .. بحثت في معاني تلك الحروف والأوصاف عما يصل إلى نفسها فتدرك أنه لها .. كانت حالتها مريعة .. لم تتمكن للحظة أن تنظر في المرآة لأنها لم تكن واثقة إن كانت من تنظر إليها هي نفسها أم قناع آخر ارتدته في لحظة من لحظات الضعف ..  كانت تشعر بأن هموم العالم وأحزانه قد وقعت عليها .. لا .. لنقل الحقيقة .. كانت تشعر بلا شئ .. لا أحزان .. لا هموم .. لا ضحكات .. لا شئ يقع عليها .. كانت مشكلتها الوحيدة هي أنها تدرك ما بها .. لكنها كالعادة تتجاهل لتتمكن من المضي قدما .. !

" لكي تتمكن !  ".. كم أوهمت نفسها بتلك الكلمة ! .. وكم يتكرر ذلك المشهد حين تأتي والدتها لتضمها في حنان وخوف وقلق .. لتجفف دموعها المنهمرة وتردد تلك الكلمات ( لم أنت بذلك الضعف ؟؟! .. لم لا تكونين مثلي .. لم أكن يوما ضعيفة ! ) .. وكثيرا ما تصاحب تلك الكلمات صوت أمها يسرد قصة حقيقة بكل تفاصيلها وآلامها وأشواكها التي  لا تزل تدمي تلك الأنامل التي تحاول العبث بتلك الذكريات .. لكنها دوما كانت تكتفي بالصمت .. يكفيها أن تبكي في صمت وتتألم في صمت وتضحك مع أصدقاءها في صمت أيضا ً

اعتادت الهروب من الواقع .. اعتادت الهروب من الحزن .. اعتادت أن تتجاهله حتى يمل منها ويتركها آسفا على حالها متمنيا لها السعادة بصدق .. كان هذا هو سلاحها ضد أعباءها وهمومها وأثقالها .. اعتادت أن تقول ( أخشى المواجهة لأني أعرف أني بالتأكيد سأسقط ! ) .. وتظل في سكون مدعية أنها تعد العدة لمواجهة قاسية .. تقنع نفسها بأنها ستستجمع قواها .. وتصمد .. وتقاتل .. وتنتصر !

وكثيرا ما كانت تستيقظ فزعة على كابوس مؤلم .. وتفر دمعة مكظومة تبحث عن راحتها .. وتخرج آهة موجعة يظن كل من سمعها بأنها تحتضر .. وقد كانت بالفعل تحتضر .. كان كل ما بداخلها يذبل ويتلاشى .. كل معاني الحب التي زرعتها يوما أدمتها الأيادى الناكرة .. كل معاني الصدق والوفاء والإخلاص والتسامح انتزعتها يد غاشمة .. كل معنى حقيقي للجمال مسحته هي بنفسها دون أن تدرك .. لم تكن تعرف أنها مريضة .. مريضة بذلك المرض اللعين الذي يقتلك ببطء ولا يظهر إلا في لحظات النهاية ليضحك بسخرية وتهكم وهو يشاهدك تصرخ وتبكي وتتشبث بالحياة .. ثم تنتهي حياتك وأنت تضحك مع ضحكهِ على غباءك الذي أعماك عن رؤيته !

الأيام تمضى وهي من بكاء إلى بكاء لا تهدأ عينها .. ومن توتر وقلق إلى رعب وفزع .. ومن صمت إلى صمت .. ومن ضحكة ممزقة إلى أخرى فاترة .. ومن حياة كانت سيئة إلى حياة أخرى تزداد سوءا !

" كم هي مؤلمة تلك الذكريات " .. رددت بصوت مسموع لنفسها وهي تقلب في أوراقها القديمة .. وتعيد ترتيب أشيائها في صندوق ذكرياتها كما تسميه .. وتفتح كل ورقة مطوية وكل ظرف مغلق وكل هدية أهديت إليها يوما .. أخذت تقرأ تلك الكلمات الجميلة التي لم تقرأها منذ سنين .. كروت أصدقائها وكلماتهم لها في أعياد ميلادها .. تنظر إلى كل واحد منهم وتقرأ ما فيه وهي صامتة .. بمشاعر شاحبة .. تعرف كم يحبونها وهي تدرك كم تحبهم .. حتى الآن لم تبخل عليهم بابتسامة من قلبها الدامي حين قرأت كلماتهم !

أخذت تغلق تلك الأظرف وهي تأتمنها على ما بداخلها من الكلمات العذبة .. حتى انتهت إلى تلك الأوراق البدائية اللطيفة .. حين رأتها تذكرتها في الحال .. كانت لإبنة عمتها تلك الصغيرة .. كتبتها لها حين أمضت معها بضع أيام منذ ثلاث سنوات .. " آه .. ما أسرع مرور الأيام " .. فتحت تلك الأوراق بحرص وأخذت تقرأ تلك الحروف الصغيرة وتتأمل ذلك الخط التائه .. أخذت تنتقل من حرف إلى حرف ومن سطر إلى سطر ومع كل كلمة يزداد وجع بداخلها لا تعرف مصدره ! .. 

كانت تخبرها بأنها تحبها وبأن كل شئ يحبها " حتى الكرسي يحبك " .. هكذا كتبت بخطها الطفولي الساذج .. حتى انتهت من القمر والنجوم وبأنها تحبها هي الأخرى .. وأنهت خطابها الوديع بكلمات " أحييكِ على جمالك " .. هنا أدركت عظم الفجوة .. ارتدت إليها تلك الذكريات الأخرى .. حين كانت تفكر بعمق في معنى الموت وماهيته .. حين كانت انتهت من الحياة وحاولت أن تمني نفسها بأن في الموت راحة لها .. لم تتذكر محاولاتها في الإنتحار فلم تكد تتخطى مجرد التفكير في ذلك الأمر .. كانت تقف على حافة الهاوية وتنظر إلى ذلك الظلام في الأسفل .. وتفكر .. فهناك في ذلك الظلام خوف ورهبة من المجهول لكن في ذلك القلب المظلم راحتها من تلك الأثقال .. وخلفها تلك الأيادي الممتدة تدفعها خطوة أخرى نحو السقوط .. وكادت تسقط لولا أنها صمدت .. وحين تعبت من محاولة الصمود إندفعت في تهور لتقفز .. ولولا أنها تخاف من المرتفعات لقفزت بكامل إرادتها الحرة وأذرعها ممتدة لتضم الراحة الأبدية العابسة !

لكن لرحمة ربها بها ضمتها أذرع أخرى ممتدة لتتلقاها في حنان وخوف وقلق .. تعلقت بتلك الضمة الصغيرة من صديقة لها حين كانت تبكي .. تمسكت بتلك الكلمة التي خرجت من فم صديقتها بلا قصد حقيقي لكنها قد جعلت لها معنى .. أشياء صغيرة .. بدت تافهة كان فيها صمودها .. وكانت في تلك الرحمة الإلهية بها نجاتها !

عادت أخيرا من تلك الذكريات المعذبة الشريدة .. قررت أن تنهيها بعد أن وجدت بداخلها أطراف قوة حاولت جاهدة الظهور بين كومة الأحزان والآلام .. قررت أن تكتب كلمات النهاية وهي تبتسم .. وتشكر كل من ساعدها .. قررت أن تشكر تلك الحبيبة القريبة وقبلتها في الصباح التي كانت تحييها كلما شعرت بالنهاية .. وشكرت تلك الصديقة على صدرها الحاني وقلبها الرحب المحب .. وشكرت كثيرا من صديقاتها اللاتي كانت كلماتهن لها دواءا وراحة .. وفي النهاية شكرت ذلك الغريب الحبيب .. وشكرت رب العباد الحاني الودود الكريم !

طوت تلك الورقة الصغيرة وكتبت لها عنوانا " شكرا للأشواك " .. وضعتها بجانب غيرها من الأوراق في صندوقها السحري للذكريات .. حين أغلقته شعرت ببعض الراحة قد لبت نداءاتها .. ووجدت نفسها مرة أخرى تقف على حافة .. لكنها لصخرة صغيرة تبعد عن الأرض خطوة .. تماما كما يحدث فقط في الأحلام .. اختفت الهوة بظلامها .. وتغيرت الأحوال .. أدركت بعد طول عناء أنها كانت تعيش في كابوس .. فقررت أن تنزع عنه رهبته لتحيله إلى حلم عادي كباقي الأحلام السيئة .. ولأنها عرفت الطريق إلى النهاية .. كان كل ما عليها هو أن تغمض عينها للمرة الأخيرة لتمنح عقلها القوة .. فتصحو .. وتفتح عينيها على واقعها .. وترى حقيقته .. قبحه .. وجماله !

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

* كتاب حكايا السمراء .. لسارة درويش

5 قالوا رأيهم:

Ahmed Elfeky يقول...

ممتعة ..

Rawan يقول...

توبيك راااااااااااااائع يا ضحى بس فى كام نقطه كدا هابقى اتناقش معاكى فيهم بس فيس تو فيس

قبل العالم الأخير يقول...

shaklo 3ameeeeeek ,, elwa7ed yestanna ye2rah tany 3la rawa2aa :D

manar يقول...

بجد حلو اوى اوى انا بجد عشت مع الموضوع وحسيت انى نسيت الدنيا باللى فيها واهم ما نسيته المذاكرة هههههههههبجد جاااااااااامد آخر حاجة وفى كام نقطة عايزة انقشك فيها برضه

قبل العالم الأخير يقول...

هو طبعا الاسلوب مبهر كالعادة .. وأكيد الكلام محسوس من حضرتك اكتر .. كتاب حكايا السمراء انا برده كنت نزلته وقريته فى ساعتها :D ..واخر فقره بجد بجد ملهااااااااااااااااش حل ..

إرسال تعليق

هنا مساحة للتعبير عن رأيك بحرية ..

ازاي أنا رافع راسك وانتي بتحني في راسي ازاي ؟!

ازاي أنا رافع راسك وانتي بتحني في راسي ازاي ؟!

بحبك يا بلادي

بحبك يا بلادي

جمعة النصر : )

جمعة النصر : )

كلنا ايد واحدة

كلنا ايد واحدة