الخميس، 5 يناير 2012

حبة فزلكة .... تفاحاية



يحكى أنها ليلة شديدة و الأجواء كانت ممطرة
و على ضوء شمعة في منزل ريفي صغير كانت صرخة الحياة لطفل وُلد قبل أوانه
كانت أمه قد فقدت زوجها قبل ذلك بشهرين
فلم يعرف الطفل أباه قط
و كان قد ولد معاقاً ... كان رأسه في حجم البرتقالة و حين أتت به الممرضة إلى أمه
قالت : خذيه فأنا لا أريد ولداً مثله ... لن يعيش لأكثر من يومين !!
احتارت الممرضة ماذا تفعل . حتى أخذته جدته منها و قالت لابنتها
ابنك لم يمت بعد .. و لا أحد يعلم متى يموت و لكن مؤكد أنه حي و يحتاجك
قالت : اذاً ربيه أنتِ . أنا لا أريد ولداً معاقاً غبياً بعد أن فقدت زوجي ... أريد رجلاً أستطيع الإعتماد عليه
و هنا أنهت الأم هذه المأساة و تزوجت برجل آخر تاركة ابنها ( المعاق ) ترعاه جدته
هنا عاش الطفل في مزرعة .. و مع ذلك فقد كره الفِلاحة و لم يُرد أبداً أن يقضي وقته في الحقل


أتم الثلاث سنوات حين جائت أمه بعد أن تطلقت و رأته .. لم تكن مشاعرها قد تغيرت نحوه فهو ما زال ضئيل الحجم ..
"رأسك الضئيل يوحي لي بمستقبلك الفاشل .. كيف يمكن لهذا الدماغ أن يُفكر و هو لن يزن أكثر من نصف كيلو !!"
هكذا قالت أمه .. قبل أن تذهب
ماتت جدته تاركة إياه وحيداً و هو ما يزال صغير . اضطرت أمه بما تبقى لها من قلب أن تأخذه و تعتني به مع بقية أطفالها
أدخلته المدرسة الابتدائية و هناك كان أضحوكة الفصل
كان الطالب الفاشل الذي لا يستوعب شيئا ... و كان المبرر دوما هو رأسه ذو الحجم الصغير
 ترك المدرسة و عاد إلى منزله في سن الثامنة عشر ... و هو لم يجن سوى السخرية و الاستهزاء و الوعيد من أمه بالعمل في الحقل الذي كان يكرهه بشدة

لم يكن اجتماعياً بسبب ما تعرض له من استهزاء .. و مع ذلك فقد كان ودوداً متواضعاً حتى مع نفسه
لم يكن يُرهق نفسه بالتفكير في الإهانات فقد كان ذهنه مستغرق التفكير إلى ما هو أبعد
كيف يمكنه الإثبات للجميع أنه ليس كما يبدو
و بينما هو جالس تحت شجرة يفكر .. تسقط تفاحة فترتطم برأسه الصغير
و تغير مجرى حياته إلى الأبد ...
.......................................................................................

 
كنت مستمتعة بحديث المحاضر عن هذا الصبي . المشهد كان قاعة مؤتمرات كبيرة , حيث عقد مؤتمر عن سيكولوجية العلماء و كيف أن المظهر قد لا يعكس الجوهر أبداً .
كنا في الصف الثاني الإعدادي .. و كنا قد بدأنا ندرس عن قوانين نيوتن
بادئ ذي بدء أعجبت باستنتاجاته الفذة .. فلم تكن فقط تفسر الجاذبية و الحركة و تجعلها فكراً منطقياً ... و لم تكن فقط صاحبة أسهل المسائل في الإمتحانات !!
بل كانت تعكس ( من وجهة نظري الشخصية ) سيكولوجية العالم ( اسحاق نيوتن ) و حياته الصعبة التي عاشها .. أو بالأحرى القوانين التي وضعها ليس فقط لإكتشافاتٍ فيزيائية .. بل لتعاملاتٍ انسانيةٍ تنبع من دواخل عقولنا الباطنة .
.................................................................

 
أعي تماما ان الجميع يفهم تلك القوانين فيزيائياً ( بل و بالمفاهيم الرياضية أيضا ) و لكن من منا جرب ذلك على عقله ؟!!! 

من وجهة نظري فإن العقل الباطن يشبه الأجسام الكونية تماماً ... فطريقة تعاملك معه تحدد مساره و ردود أفعاله ..
 فمثلا الشخص الذي يقع في الفعل مرة و أخرى حتى تصبح أفعاله عادات .. لا يدرك أنه لن يستطيع إيقاف عقله الباطن ( و الذي يتحكم بمعظم عاداتنا ) حتى يكون وعيه و إرادته أقوى من اللاوعي الذي يعيشه . و بالإرادة و القوة يستطيع تغيير واقعه إلى أحسن و ربما أسؤأ في أحيان أخرى .. كل يحدد طريقه بنفسه .

كان نيوتن قد اعتاد على السخرية و الاستهزاء و رضى بواقعه كطالب فاشل .. حتى أهانه أحد زملاء الفصل إهانة قوية كانت بحد ذاتها نقطة تحول في مسار نيوتن فقد عاد إلى حديقته فقط ليجلس وحيداً محاولة اقناع نفسه بأنه ليس كما يبدو و بأن دماغه الصغير يحمل فكراً عبقرياً .
لأن الجسم الساكن يبقى ساكناً و المتحرك يبقى متحرك بسرعة ثابتة بنفس المسار .. ما لم تؤثر عليه قوة خارجية أو داخلية تغير واقع ما هو عليه ..

قد أستنتج من هنا أن حياتنا قد تبدأ بحادثةٍ صغيرة جل ما فعلته هو أنها أزاحت تفكرينا .. و دورنا هو أن نساير هذه الإزاحة إلى ما هو أفضل
و هذا ما نص عليه قانونه الثاني أيضا .. حين قال أن حركة الجسم باتجاه معين هي محصلة القوى التي أثرت عليه و أكسبته سرعة باتجاه معين
و هذا واقع يتعرض له العقل الباطن يومياً .  لأن العقل البشري لن يجمع كماً من الإعجاب فحسب بل من الإنتقاد أيضاً .. هذا هو دورك في التفكير ( أن تجعل قوى التشجيع دائماً هي الغالبة عن قوى الإحباط التي يتعرض لها عقلك كل يوم ) فتكون المحصلة تجاه القوة الأكبر .

و لم يكن نيوتن ظالماً حين كره والدته و زوجها حتى قال ( أتمنى أن أحرق المنزل و هما به ) و كان هذا رد فعل طبيعي لقوة كراهية استشعرها من والدته منذ كان صغيراً . فالعقل البشري مبرمج على قانونه الثالث ( لكل قوة فعل قوة رد فعل مشابه و لكن في الإتجاه المعاكس )
فالحب يُولِد الحب و الكراهية تُورِث الكراهية .. و ما دفع نيوتن ليبحر داخل عقله هو الإستهزاء و السخرية  منه حين كان صغيراً فشب و في داخله دافع الإنتقام لنفسه .. ليس انتقاماً لإهانة شخص له و لكن تكريماً لعقله  الذي لم تختل ثقته به للحظة 

حينئذٍ لا نتعجب عندما يكتب نيوتن في مذكراته :
 (
لا أعرف كيف أبدو في أعين العالم، ولكن بالنسبة لنفسي فإني أبدو فقط مثل طفل يلعب على شاطئ البحر مسليًا نفسه من حين لآخر بالبحث عن حصاة أنعم أو صدفة أجمل من المعتاد بينما أنظر أمامي فأجد أن محيط الحقيقة العظيم لم يُكتَشَف حتى الآن )
و لا تتعجب عندما أقول أن عقلك مفتاحه بيدك مهما تعرضت للإضطهاد و السخرية من هذا أو ذاك .. يكفيك أن نيوتن قد وضع قوانينه لنفسه و لا أقول لك جربها فهي ليست بمسلمات

ضع أنت قوانينك لعقلك و تحكم به و حاول خلق أحسن النتائج من أحلك العقبات . لأن لكل إنسان طاقاتٍ و إبداعاتٍ مختفية في صندوق يملك هو وحده المفتاح الصحيح له . فلا تنزعج من كثرة الأقاويل عن مظهرك الخارجي أو طريقة كلامك أو اهتماماتك الشخصية فكل ذلك مهاداً لعقلك ( إذا ما وظفته بطريقة صحيحة ) لخلق شخصية مبدعة .  

حين انتهت المحاضرة و حان وقت الأسئلة وجهت سؤالاً للمحاضر ( كان سؤالاً ساذجا و طفولي للغاية ) : و لما نيوتن كان شاطر و عبقري قوي كده فعلاً ايه أصلا اللي خلاه مش متفوق في مدرسته ؟؟
ده بيقولوا قعد تلات مرات يعيد في نفس السنة لحد ما دخل الكلية ؟؟
و كان رد المحاضر : حقيقي معرفش
 ذهبت لأجلس مكاني حين استوقفتني معلمتي و قالت : سؤالك حلو جداً على فكرة بس انتي مفكرتيش فيه شوية
لو جبتك و انتي في تانية اعدادي قعدتك مع فصل كي جي وان و قلتلهم يلا قولوا
أ – أرنب ... صدقيني مش هتقولي معاهم حاجة و هتبقى بالنسبة لهم البنت الكسلانة اللي مش بتهتم بدروسها 

 هكذا لم يظهر العلماء و المفكرين و العباقرة إلا عندما واكبوا عقولهم بالظروف المحيطة و حولوها إلى منبهات إيجابية تستثير
خلايا إبداعاتهم .. فقط حاول أن تصيغ إبداعك بنفسك و لا تنتظر من الآخرين مساعدتك في ذلك و الأهم من ذلك
أن تثق بأن الابداع موجود داخلك أنت .
........................................................................................................................

ملحوظة : مش المفروض حد يفهم أي كلمة من الكلام ده لأن ده ما أسميه بالـ ..
mind mania J J

و ان كان حد فهم يبقى ... الحمد لله
و لكن لو في درس واحد من الموضوع ده هيبقى ازاي احنا نقدر بدل ما نزعل من الإنتقاد و السخرية و محبطات الأعمال .. نحولها الى ( تفاحاية ) ترتطم برؤوسنا .. فتشتغل  :) 

5 قالوا رأيهم:

Doha يقول...

فكرت كتير قبل كدة ف قوانين الفيزيا اللي ممكن تتطبق على ابشر .. بس مجاش ف بالي الإستنتاجات دي .. :))

بجد الموضوع حلو جداا ومفيد ..

U Just Opened My Mind to a Wider Area of Thinking , Thanks :)

Unknown يقول...

موضوع مميز عجبتنى فكره دمج الفيزياء والقوانين على الطبيعه البشريه ولكن حقيقه أنا لا أتفق مع حضرتك فى حاجتين 1- لكن من منا جرب ذلك على عقله ؟!!!
الفقره دى ... القوانين الفيزيائيه غير قابله للتطبيق البشرى ببساطه شديده النفس البشريه فى تغيير مستمر وحركه ديناميكيه بتتغيرها أدق وأصغر وممكن أهيف التفاصيل لفعل عقلك هوا اللى بيحددوا وبيقوم بيه عكس قوانين الفيزياء اللى بتعتمد على الثوابت لتحقيق إستنتاج منطقى بمعنى 1 + 1 = 2 وهيا دى الطريقه اللى العالم ماشى بيهاولكن ممكن من خلالها توقع فكر اللى قدامك بس بالضروره يعنى مثال على كده لو حضرتك بتتفرجى على مسلسل Numbers الإعتماد الكامل فىه على ثوابت أساسيه ملهاش علاقه بالإنسان وبعد كده يتدخل علم النفس بمعادلات رياضيه للوصول للحل
2-لا يدرك أنه لن يستطيع إيقاف عقله الباطن ... الجمله دى عجبتنى أوى بس برده ليا إعتراض بسيط عليهها قوه العقل الباطن لأى بشرى هى بإحتفاظه أساسياته الحيوانيه ومبادئ شخصيته الأساسيه وده غير قابله للتغيير بأى حال من الأحوال لكن بالظبط زى ما حضرتك كلمتى إن تى يكون وعيه و إرادته أقوى من اللاوعي الذي يعيشه . و بالإرادة و القوة يستطيع تغيير واقعه إلى أحسن و ربما أسؤأ في أحيان أخرى .. كل يحدد طريقه بنفسه

Ahmed Elfeky يقول...

موضوع مميز .. عرض سلسل .. موضوع مترابط وأكثر من رائع

sony2000 يقول...

يالله

مش عرفه بس كنت من فتره بفكر فكدا

بحسها انها تحدي للظروف مااعرفش ليه

Unknown يقول...

تحفة ! عجبنى اوى
وحسسنى إن فيه امل :D
.. دام قلمك

إرسال تعليق

هنا مساحة للتعبير عن رأيك بحرية ..

ازاي أنا رافع راسك وانتي بتحني في راسي ازاي ؟!

ازاي أنا رافع راسك وانتي بتحني في راسي ازاي ؟!

بحبك يا بلادي

بحبك يا بلادي

جمعة النصر : )

جمعة النصر : )

كلنا ايد واحدة

كلنا ايد واحدة