قريباً جداً ستدق الثانية عشرة .. منتصف الليل .. الفوضى تتراكم حولي وتكثر بداخلي كما لو أنها استحلت المكان .. الكثير من الأعمال غير المنتهية .. لم تنتهِ بعد .. أصبت بعدوى تكرار الكلمة مرتين .. كما صار صداها يتكرر في أذني أكثر من مرتين مما صار أمراً لا يطاق أبداً أبداً .. أسمع صوت عقارب ساعتي يدق بانتظام ممل مضجر .. يشعرني برغبة في تهشيم تلك العقارب الصغيرة المجنونة التي لا تهتم سوى بإزعاجي .. الهدوء أكثر من المعتاد يصيبني بالأرق المزمن في أفكاري التي تهدأ فقط في الضجيج .. لذلك أعشق من الناس من يرغي دوماً باستمرار كثيراً دون أن يمل .. فقط لأنه يخرس صوتي ويمنحني راحة غريبة .. تجبرني ثرثرته على نسيان شكره عليها ..
حزينة ! .. لا لست حزينة .. هو فقط هدوء ما بعد النوم .. وكان قبل أن أنام إرهاق مؤقت إثر يوم بلا معالم .. وكان في الصباح خوف مؤقت أيضاً لأن الشمس لن تدوم اليوم كثيراً .. وكان في تلك اللحظات التي يصمت فيها الجميع قلق دائم مما سيحدث في اللحظة التالية لو انهار العالم فجأة .. لست حزينة على الإطلاق ولكن رغبتي في الإبتسام تجاوزت الحدود فقررت أن أروضها قليلاً .. كما أني ضحكت على كل الأمور فلم يبق ما أضحك عليه .. كما أن مفاهيمكم بحاجة إلى التعديل .. فالصمت لا يرتبط دوماً بالحزن .. وليس بالضرورة أن تكون تلك النبرة اليائسة في الصوت هو يأس من الحياة .. فربما يكون يأس من أن يفوز الزمالك بالبطولة .. أو مجرد يأس من أن أتعثر في طريقي بشخص أحبه .. أو يأس كالذي يتنابنا كثيراُ أحياناً حين نشعر بأن الأمل .. مجرد خدعة !
تجاوزت الساعة الثانية عشرة .. لا زلت أحرك أناملي على الأزارا بلا هدف .. صوتها هو الضجة الوحيدة التي تملأ الغرفة .. تجبرني الإضاءة على النظر لما حولي .. فتقع عيناي على ما لا يسر من الفوضى التي تقتلني .. ولا رغبة لدي في إطفاء النور لأني أرتعد خوفاً من الظلام .. كما أن أقزامي رحلوا ورحلت قناديلهم المضيئة الصغيرة التي تمنح نوراً بنفسجياً يهدئ الأعصاب ويطرد الأرواح الشريرة .. كما لم تعد أغنياتهم الدافئة تسليني وتمنحني ضحكاتهم الخافتة شعوراً بالأمان لأن هناك أحد في الجوار .. على كل حال .. دعكم من هذا الهراء .. فهو مجرد محاولة للتأقلم مع واقع لم أجد فيه ما يرضيني !
لم أرسم منذ وقت طويل .. ولا رغبة الآن سوى في النظر إلى ما رسمت من قبل في إعجاب وزهو ببراعتي في تجسيد ما أرسم كأنه حقيقه .. ثم تمزيق الأوراق حتى لا يبقى مما رسمت شئ .. ثم أعيد تجميع القصاصات الفارغة والملوثة باللون الأسود والرمادي الداكن وأحاول صنع لوحتي الخاصة .. مدعية أنه فن خاص .. يهتم بوضع كل شئ في غير مكانه الصحيح .. ولا يلقي بالاً لتلك المعايير السخيفة التي يضعها الفنانون .. فهم في نظر ذلك الفن الخاص حمقى لا يرون حقيقة الأمر .. ولا يعرفون متعة إحداث الفوضى .. وسأستخدم في ذلك الفن أيضاً أوراق احتفظت بها كثيراً واكتشفت في النهاية بأنها بلا فائدة .. سأرقع بها الأماكن الفارغة .. وألقي ببعض القصاصات الغير مهمة في مكان لا أعرفه .. ولا أبحث عما كان مهماً .. فكل القصاصات سواء .. والفوضى واحدة .. وعما قريب ستعرف كل قصاصة في حياتي أين مكانها بالضبط من اللوحة !
"
لم يَعُدْ يُجْدِي أسفٌ.
ما مضى
لن يُستعادْ
والقليلُ الذي تبقَّى
لا يستحقُّ عناءَ الخطواتِ.
" *أنا فقط أتسائل عما يدفع الناس لقول مثل تلك الأقوال الكئيبة .. فأنا الآن أشعر أن الكاتبة على وشك إلقاء نفسها من الأعلى .. وهي لا تعرف بالتحديد أين ستقع لأنه لم يعد يهم .. تُرى ما كان يجول بخاطرها حين خرجت منها تلك الجمل الإبداعية التي لا تحرض سوى على الإنتحار بانتظار أمل لن يأتي ! .. تُرى لو كانت تسمع حينها نانسي وهي تغني الدنيا حلوة .. لكان هذا لا يزال موقفها ؟! .. فمثلاً لو كنت مكانها مغرقة في الكآبة وسمعت نانسي تردد كبر وعدي .. لضحكت على الجليد الذي يملأ أنتركتيكا ولألقيت بنفسي إلى الهاوية دون ندم ! .. سُحقاُ سوزان فالحياة ليست بذلك السوء .. وسُحقاُ أيها البشر ! .. فالحلول ليست بتلك السهولة !
سُحقاً بجد يعني !
----
* سوزان عليوان - كراكيب الكلام
----
* سوزان عليوان - كراكيب الكلام
1 قالوا رأيهم:
جمييييييييلة
أعشق سوزان رغم الرمادية التى تصيبنى بها أحياناً
تحياتى :)
إرسال تعليق
هنا مساحة للتعبير عن رأيك بحرية ..