على صدر أمها وضعت رأسها في اطمئنان .. وارتخت جفونها المتعبة .. شعرت ببعض الراحة وهدأت إثر ذلك الحنان الدافئ .. التفت حولها ذراعان ألفت ضمتهما الوديعة القلقة .. شعرت بأنفاس أمها الدافئة المتسارعة .. أحست بما يدور في خلدها من أفكار .. وسمعت نبض قلبها الملهوف الخائف .. رأت في عينيها ما يشبه دموعاً متماسكة .. وفي وجهها محاولات مستميتة لإخفاء الحزن .. حين شعرت أن صدر أمها لم يعد هو أيضاً مكاناً آمناً لترتاح فيه من عناء العالم وصراعه المستمر معها .. قبلت يد أمها في حنان وقالت بصوت هادئ .. " أنا بخير " .. وانفلتت من تلك الذراعان وهي لا تعرف إلى أين ستذهب بعد أن تمكن اضطراب العالم من التسلل أيضاً إلى ملاذها الوحيد .. ملاذها الآمن !
لم تنظر إلى عينيه حين كانت تحدثه .. لم تتمكن من مواجهة ما يكمن فيهما من مشاعر ثقيلة متعبة .. صوته الهادئ فيه امتزاج غريب من الخوف والخيبة .. أنهت حديثها وتركها تمضي لحالها .. بعد قليل .. دخل غرفتها .. مرر يده على شعرها الأملس وهو يواسيها .. ببعض من كلمات التشجيع حاول أن يساندها .. ربت على كتفها في حنان بمرارة الخيبة أيضاً .. لم تنظر إليه .. ثم خرج وهو يرى ثقل ما بداخلها من أحمال .. وبقيت هي وحدها تصارع لذعة الندم وذل الفشل .. ومرارة خيبة الأمنيات في عيني أبيها الطامح !
لا تتمكن من مدافعة الإبتسامة .. تبتسم لا إرادياً .. وتقهقه أحياناً .. يعلوا صوتها بنبرة هجرتها الفرحة .. تهدأ وتصمت وتغيب في لحظات .. قد يلحظها أحد و قد لا يلتفت إليها أحد .. لا تعرف لم تدافع ما بداخلها .. لا تعرف كيف تستسلم فجأة لضحكات من حولها .. لا تعرف كيف تتمكن من الصمت و الإنزواء وحدها في ذلك الفراغ الذي لا يعرفه غيرها .. لم تبكِ .. لم تصرخ .. لم تعبس حتى الآن .. هي فقط ..تحاول أن تتماسك .. و تصمت !
ظلال لأشخاص وجدوا في وقت ما .. صارت تعرف سر الحاجز الخفي بينها وبينهم .. لكنها لم تصل بعد لسر تقلباتهم الغريبة .. وقد ملت البحث وراء الأسباب .. وملت البحث عن أجسادهم .. قررت أن تكسر المصباح حتى يعم الظلام .. فلا يؤلمها الغياب .. ولا تؤرقها الظلال الفارغة !
مع كل ثانية تمر .. يتضح لها أن ما عاشته من قبل لم يكن يقارن بالنسبة لما تقاسيه اليوم !
تتمنى لو هناك مكان للإختباء .. لتبتعد عن الجميع .. عمن يتحدث عنها في غيابها .. وعمن سيتحدث عنها حين تغيب حقاً .. وعمن سيسعده ما صارت إليه .. وعن عيون من يؤلمهم حالها .. ومن سيؤلمهم حالها فيما بعد .. تتمنى أن تختبئ من نظرات الأشياء الباردة لها .. تختبئ من دميتها الصامتة .. من قلمها المثابر .. من غرفتها الفوضوية .. من سكون الأسفلت الممل .. من أفكارها المتلاحقة المزعجة .. تتمنى لو تختبئ من نداءات قلبها وتصم ذلك الصوت المنبعث من عقلها الذي لا يكف عن الحديث بكل هؤلاء الأشخاص وكل تلك الأشياء وكل ما يزدحم بداخلها من مشاعر .. ليساعدها أحدكم ! .. فقد أخذت تتلاشى .. علّها تجد في اللاوجود راحتها من كل شئ .. كُتب عليه الوجود !
قليلون هم .. من يحبون تبادل الأدوار معك .. وكثيرون هم .. من يحسنون الكلام .. ولا يجيدون فن الإستماع !
ستعود إلى التأمل وتكلف الإبتسام واستنباط العبرة والحكمة .. ستعود لتتفائل وتغالب كل ما ستلاقيه .. ستعود لتعاند نفسها وتعاند العالم .. ستعود لتقول .. " ابتسموا .. فدوماً هناك غد أفضل " !
0 قالوا رأيهم:
إرسال تعليق
هنا مساحة للتعبير عن رأيك بحرية ..